تعرضت حركة "شباب المجاهدين" الصومالية لضربات عسكرية من جانب قوى دولية وإقليمية معنية بالحرب ضد الحركة في المنطقة، على نحو سوف يؤثر، إلى حد ما، على نشاطها، لا سيما أنها كانت تسعى، حسب تقارير عديدة، إلى توسيع نطاق عملياتها الإرهابية خلال الفترة القادمة، خاصة بعد اتجاهها إلى التركيز على استهداف المناطق الحدودية بين الصومال ودول الجوار، على غرار الحدود الكينية- الصومالية. ويبدو أن هذا الاتجاه سوف يتصاعد خلال المرحلة القادمة، على ضوء سعى تلك القوى إلى تقليص حدة التهديدات التي يفرضها نشاط التنظيمات الإرهابية في المنطقة.
توقيت لافت:
قامت القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بشن هجمات عديدة ضد حركة "شباب المجاهدين" في نهاية أغسطس 2018، استهدفت عددًا من مواقعها في إقليم جوبا الوسطى، وأدت إلى مقتل 3 من عناصرها. وقد سبقتها غارات جوية مماثلة، فى 5 يونيو 2018، على بعض مواقع الحركة في شمال شرق الصومال، أسفرت عن مقتل 27 من عناصرها.
وبالتوازي مع ذلك، شنت القوات الجوية الإثيوبية، في 16 سبتمبر 2018، ضربات ضد مواقع الحركة، في وقت تصاعدت فيه الهجمات التي نفذتها الحركة فى أنحاء مختلفة من الصومال، على غرار الهجوم الذي شنته عناصرها فى مدينة أفجوي بولاية شبيلي السفلي ضد بعض المواقع الحكومية، في 31 أغسطس 2018، مما أسفر عن مقتل 3 جنود وإصابة 6 آخرين، إلى جانب الهجوم الذي استخدمت فيه سيارة مفخخة واستهدفت من خلاله مقر مديرية هولوداغ بالعاصمة مقديشيو، في 2 سبتمبر 2018، على نحو أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 15 آخرين.
أهداف عديدة:
يبدو أن القوى التي شنت الضربات العسكرية الأخيرة ضد مواقع الحركة تسعى إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:
1- منع تهديد دول الجوار: دفع تصاعد نشاط الحركة على الساحة الداخلية الصومالية بعض هذه القوى إلى شن ضربات ضدها لمنعها من محاولة تنفيذ هجمات داخل أراضي دول الجوار، خاصة وأن الحركة قبل أن تركز نشاطها خلال السنوات الأخيرة على الساحة الداخلية الصومالية، كانت تستهدف هذه الدول، لا سيما كينيا التي تعرضت لهجمات إرهابية عديدة، على غرار الهجوم الإرهابي الذي شنته عناصر الحركة في 2 مارس 2018 وأدى إلى مقتل 5 من أفراد الشرطة، وقبله الهجوم على المركز التجاري "ويست جيت" بنيروبي، في 21 سبتمبر 2013، وأسفر عن مقتل 72 شخصًا.
2- تعزيز التعاون الأمني: اتجهت العديد من القوى المعنية بالأزمة الصومالية إلى تعزيز تعاونها مع حكومة الرئيس محمد عبد الله فرماجو، وهو ما بدا جليًا في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى مقديشيو في 16 يونيو 2018، حيث تم الاتفاق على توسيع نطاق التنسيق في مكافحة الإرهاب والتعاون مع التحديات الأمنية عبر الحدود.
3- تقليص العمليات الإرهابية: شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات الإرهابية للحركة، على غرار مجموعة الهجمات التي استهدفت بعض المواقع العسكرية في مدينة هيران وسط الصومال، في يونيو 2018، مما أسفر عن مقتل عدد من أفراد القوات المسلحة، وكذلك التفجير الذي نفذته الحركة داخل أحد ملاعب كرة القدم، في 13 إبريل 2018، وأدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 12 آخرين. ومن هنا، يبدو أن هذه القوى تسعى عبر ضرباتها العسكرية المستمرة ضد مواقع وعناصر الحركة إلى تقليص قدرتها على شن مزيد من العمليات الإرهابية.
4- عرقلة التمدد والانتشار: اتجهت "شباب المجاهدين"، خلال الفترة الأخيرة، إلى محاولة توسيع نطاق انتشارها داخل الصومال، خاصة في منطقة الخط الساحلي، التى تعد إحدى أهم المناطق الاستراتيجية التي تسعى للسيطرة عليها، من أجل تعزيز نفوذها في المناطق الساحلية التي تربط بين الصومال وكينيا. ومن دون شك، فإن هذه التحركات يمكن أن تفرض تهديدات مباشرة سواء للصومال أو لدول الجوار، على نحو فرض على بعضها تنفيذ هجمات مضادة ضد الحركة بالتعاون مع القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن الضربات الأخيرة تسعى، ضمن أهداف أخرى، إلى منع تكرار العمليات الإرهابية التي شنتها الحركة داخل كينيا، مثل الهجوم على جامعة "غاريسا" بشمال شرق الأخيرة، في 2 إبريل 2015، والذى أدى إلى مقتل 147 شخصًا، منهم ما يقرب من 70 طالبًا.
5- تحجيم النفوذ "القاعدي": لا يمكن فصل الضربات العسكرية المتتالية التي تعرضت لها الحركة في الفترة الماضية عن الجهود التي تبذلها العديد من القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب من أجل الحيلولة دون تكريس نفوذ التنظيمات الإرهابية الرئيسية في تلك المنطقة، وخاصة تنظيم "القاعدة"، لا سيما بعد أن حاولت حركة "شباب المجاهدين"، باعتبارها فرع التنظيم في شرق إفريقيا، استغلال عملياتها الداخلية والخارجية في تعزيز انتشاره داخل الصومال، وتحويل الأخيرة إلى نقطة انطلاق للوصول إلى مناطق أخرى في شرق إفريقيا. وهنا، يبدو أن الضربات العسكرية التي توجهها القوات الأمريكية تحديدًا تهدف إلى إضعاف احتمالات نجاح التنظيم في تفعيل نشاطه داخل تلك المنطقة، على نحو سوف يفرض تهديدات مباشرة لأمن ومصالح القوى المعنية بها.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الصومال تبدو مقبلة على مرحلة جديدة من الصراع بين حكومة الرئيس عبد الله فرماجو وحركة "شباب المجاهدين"، خاصة أن الأخيرة، حسب اتجاهات مختلفة، قد تتجه إلى محاولة تصعيد نشاطها، للرد على الضربات العسكرية المتتالية التي تتعرض لها، فضلاً عن أنها سوف تحاول استغلال المشكلات التي ما زالت تواجه الجهود التي تبذلها الحكومة لتنفيذ برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل تحقيق ذلك.